في مستهل المقال، أود التأكيد على نقطتين أساسيتين، أنني كنت من أوائل الداعين والداعمين للبحث عن بدائل مناسبة للتعلم مع بداية أزمة كورونا، في حال تعذر الذهاب إلى المدرسة، ولا أجد كلمات مناسبة للتعبير عن تقديري، لما قامت به الجهات المختصة في الدولة، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، من الحرص على ضمان سلامة وصحة التلاميذ، وفي الوقت نفسه نجاح التجربة الإماراتية في التعلم عن بعد، لقد ألهمت تجربتنا العالم، لكن المسؤولية الوطنية تقتضي منا كمتخصصين الإسهام في إثراء التجربة الإماراتية، من خلال اقتراح الأفكار التطويرية التي نوصل بعضها مباشرة للجهات المختصة، وننشر بعضها كي تعم الفائدة.
مع بداية هذا العام الدراسي، أتاحت الجهات المختصة في الدولة للأسر حرية الاختيار بين التعلم الهجين والتعلم عن بعد، وكان اختيار جل الأسر للتعليم الإلكتروني من باب حرصهم على سلامة أولادهم، وهذا حق مشروع لهم، كنت أتوقع أن المدارس قد تعلمت من تجربة الفصل الدراسي الماضي، في تطوير آليات مناسبة للتعلم الإلكتروني، بيد أن الواقع يقول لنا إن بعض المدارس ما زالت تكرر الأخطاء نفسها التي حدثت في التجربة الماضية، ومن هنا أقدم لهم بعض النصائح التي أتمنى التفكير فيها، واختيار ما يرونه مناسباً، لأن استمرارية الأخطاء الواقعة اليوم، لها تأثير خطير على صحة الأطفال النفسية والعقلية والجسدية، وهذا ما يعرف بمتلازمة التعليم الإلكتروني، التي هي بحاجة لمزيد من الدراسة، لكن من شاء فهم هذه المتلازمة، عليه الاطلاع على التحذيرات الواردة من إدمان الألعاب الإلكترونية.
لو نظرنا للمناهج التعليمية، سنجد أننا كمتخصصين نقسمها إلى قسمين، مناهج رئيسة Core Curriculum مثل الرياضيات والعلوم واللغة، ومناهج فرعية، في التعليم الإلكتروني ينبغي التركيز على المواد الأساسية فقط، وربما التعرض للمناهج الأخرى بشيء من السطحية، كما أن أهداف المناهج الرئيسية تُقسّم إلى أهداف أساسية وأخرى فرعية، في التعليم الإلكتروني نركز فقط على الأهداف الأساسية، فمثلاً في منهاج اللغة نهتم بالنحو لأنه لب اللغة، لكن قد نتجاوز عن حفظ الشعر في هذه المرحلة، بهذا سيختصر اليوم التعليم إلى أقل من ثلاث ساعات إلكترونية.
هناك فرق كبير في التعليم الإلكتروني بين تعليم الأطفال وتعليم الكبار، فلكل مرحلة تعليمية فنونها وقواعدها، فلا أطبق استراتيجيات تلاميذ المراحل المتقدمة علي أطفال الروضة أو الابتدائية، كما أن فكرة الواجبات المنزلية الإلكترونية، ليس لها محل من الإعراب، وينبغي تجاوزها.
التقويم عنصر أساسي في العملية التعليمية، وهو جهد مستمر، ليس المقصود منه الدرجات، ولكن تعديل الخلل عند المتعلم إنْ وُجد، لذلك أرفض فكرة الامتحانات الإلكترونية للتلاميذ، فهناك وسائل أخرى للقيام بالتقويم المناسب لكل مادة، كما أنني لا أرى إن استمر التعليم عن بعد، إصدار شهادات بالدرجات للتلاميذ، بل يكتفى بتقدير ناجح، كما فعلت بعض مؤسسات التعليم العالي الفصل الماضي، وإنْ وُجد نقص في تحصيل التلميذ الإلكتروني بالإمكان جبره، عندما يتم استئناف الدراسة بالمدرسة لأن الصحة لا تعوض، وأخيراً لا بد من شكر المعلمين والتعاطف معهم، والمطالبة بتشريع ينظم عملهم عن بعد.
*أكاديمي إماراتي